كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله: {أَمَرْنا مُتْرَفِيها} [16]. قرأ الأعمش وعاصم ورجال من أهل المدينة {أَمَرْنا}
خفيفة حدّثنا محمد قال حدّثنا الفراء قال حدّثنى سفيان بن عيينة عن حميد الأعرج عن مجاهد: {أَمَرْنا} خفيفة وفسّر بعضهم: {أَمَرْنا مُتْرَفِيها} بالطاعة {فَفَسَقُوا}.
أي إن المترف إذا أمر بالطاعة خالف إلى الفسوق.
وفى قراءة أبيّ بن كعب: {بعثنا فيها أكابر مجرميها} وقرأ الحسن {آمرنا} وروى عنه {أمرنا} ولا ندرى أنها حفظت عنه لأنا لا نعرف معناها هاهنا، ومعنى {آمرنا} بالمدّ: أكثرنا، وقرأ أبو العالية الرياحي {أمّرنا مترفيها} وهو موافق لتفسير ابن عباس، وذلك أنه قال: سلّطنا رؤساءها ففسقوا فيها.
قوله: {كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [14]، وكلّ ما في القرآن من قوله: {وَكَفى بِرَبِّكَ} {وَكَفى بِاللَّهِ} و{كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ} فلو ألقيت الباء كان الحرف مرفوعا كما قال الشاعر:
ويخبرنى عن غائب المرء هديه ** كفى الهدى عمّا غيّب المرء مخبرا

وإنما يجوز دخول الباء في المرفوع إذا كان يمدح به صاحبه ألا ترى أنك تقول: كفاك به ونهاك به وأكرم به رجلا، وبئس به رجلا، ونعم به رجلا، وطاب بطعامك طعاما، وجاد بثوبك ثوبا، ولو لم يكن مدحا أو ذمّا لم يجز دخولها ألا ترى أن الذي يقول: قام أخوك أو قعد أخوك، وقوله: {كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ} أوقعت عليهما نمدّ أي نمدهم جميعا أي نرزق المؤمن والكافر من عطاء ربّك.
وقوله: {وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا} [23]. كقولك: أمر ربك وهى في قراءة عبد اللّه {وأوصى ربّك} وقال ابن عباس هي {ووصّى} التصقت واوها، والعرب تقول تركته يقضى أمور الناس أي يأمر فيها فينفذ أمره.
وقوله: {وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسانًا} معناه: وأوصى بالوالدين إحسانا، والعرب تقول أوصيك به خيرا، وآمرك به خيرا، وكان معناه: آمرك أن تفعل به ثم تحذف {أن} فتوصل الخير بالوصيّة وبالأمر، قال الشاعر:
عجبت من دهماء إذ تشكونا ** ومن أبى دهماء إذ يوصينا

خيرا بها كأننا جافونا

وقوله: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ} فإنه ثنّى لأن الوالدين قد ذكر قبله فصار الفعل على عددهما، ثم قال {أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما} على الائتناف كقوله: {ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا} ثم استأنف فقال: {كَثِيرٌ مِنْهُمْ} وكذلك قوله: {لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى} ثم استأنف فقال: {الَّذِينَ ظَلَمُوا} وقد قرأها ناس كثير: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ} جعلت {يَبْلُغَنَّ} فعلا لأحدهما. فكرّرت ب فكرت عليه كلاهما.
وقوله: {فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ} قرأها عاصم بن أبى النّجود والاعمش: {أفّ} خفضا بغير نون، وقرأ العوامّ {أفّ} فالذين خفضوا ونوّنوا ذهبوا إلى أنها صوت لا يعرف معناه إلّا بالنطق به فخفضوه كما تخفض الأصوات. من ذلك قول العرب: سمعت طاق طاق لصوت الضرب، ويقولون:
سمعت تغ تغ لصوت الضحك، والذين لم ينوّنوا وخفضوا قالوا: أفّ على ثلاثة أحرف، وأكثر الأصوات إنما يكون على حرفين مثل صه ومثل يغ ومه، فذلك الذي يخفض وينوّن فيه لأنه متحرك الأوّل، ولسنا بمضطرين إلى حركة الثاني من الأدوات وأشباهها فيخفض فخفض بالنون:
وشبّهت أفّ بقولك مدّ وردّ إذ كانت على ثلاثة أحرف، ويدلّ على ذلك أنّ بعض العرب قد رفعها فيقول أفّ لك، ومثله قول الراجز:
سألتها الوصل فقالت مضّ ** وحرّكت لى رأسها بالنغض

كقول القائل لا يقولها بأضراسه، ويقال: ما علّمك أهلك إلا مضّ ومضّ وبعضهم: إلّا مضّا يوقع عليها الفعل، وقد قال بعض العرب: لا تقولن له أفّا ولا تفّا يجعل كالاسم فيصيبه الخفض والرفع والنصب ثبت في ب والنصب بلا نون يجوز كما قالوا ردّ، والعرب تقول: جعل يتأفّف من ريح وجدها، معناه يقول: أفّ أفّ، وقد قال الشاعر فيما نوّن:
وقفنا فقلنا إيه عن أمّ سالم ** وما بال تكليم الديار البلاقع

فحذف النون لأنها كالأداة، إذ كانت على ثلاثة أحرف، شبّهت بقولهم: جير لا أفعل ذاك، وقد قال الشاعر:
فقلن على الفردوس أوّل مشرب ** أجل جير إن كانت أبيحت دعاثره

وقوله: {وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ} [24]. بالضمّ قرأها العوامّ. حدثنا محمد قال: حدّثنا الفراء قال حدّثنى هشيم عن أبى بشر جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير أنه قرأ {واخفض لهما جناح الذّلّ} بالكسر. قال: حدثنا الفراء وحدثنى الحكم بن ظهير عن عاصم بن أبى النّجود أنه قرأها {الذّلّ} بالكسر. قال أبو زكريا: فسألت أبا بكر عنها فقال: قرأها عاصم بالضمّ، والذّلّ من الذلّة أن يتذلّل وليس بذليل في الخلقة، والذّلّة والذّلّ مصدر الذليل والذّلّ مصدر للذلول مثل الدابّة والأرض. تقول: جمل ذلول، ودابّة ذلول، وأرض ذلول بيّنة الذّلّ.
وقوله: {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ} [28]. يقول: إذا أتتك قرابتك أو سواهم من المحتاجين يسألونك فأعرضت لأنه لا شىء عندك تعطيهم فقل لهم: قولا ميسورا، يقول: عدهم عدة حسنة. ثم نهاه أن يعطى كلّ ما عنده حتى لا يبقى محسورا لا شىء عنده، والعرب تقول للبعير:
هو محسور إذا انقطع سيره وحسرت الدابّة إذا سرتها حتى ينقطع سيرها، وقوله: {يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} يحسر عند أقصى بلوغ المنظر.
وقوله: {خِطْأً كَبِيرًا} [31]، وقرأ الحسن خطاء كبيرا بالمدّ، وقرأ أبو جعفر المدنىّ {خطأ كبيرا} قصر وهمز، وكلّ صواب، وكأنّ الخطأ الإثم، وقد يكون في معنى خطأ بالقصر.
كما قالوا: قتب وقتب، وحذر وحذر، ونجس ونجس، ومثله قراءة من قرأ {هم أولاء على أثرى} و{إثرى}.
وقوله: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطانًا} [33]. في الاقتصاص أو قبول الدّية.
ثم قال: {فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} فقرئت بالتّاء والياء. فمن قال بالياء ذهب إلى الولىّ أي لا يقتلنّ غير قاتله. يقول فلا يسرف لولىّ في القتل. قال: حدّثنا القراء قال وحدّثنى غير واحد، منهم مندل وجرير وقيس عن مغيرة عن إبراهيم عن أبى معمر عن حذيفة بن اليمان أنه قرا {فلا تسرف} بالتاء.
وفى قراءة أبىّ {فلا يسرفوا في القتل}.
وقوله: {إِنَّهُ كانَ مَنْصُورًا} يقال: إن وليّه كان منصورا، ويقال الهاء للدم، إن دم المقتول كان منصورا لأنه ظلم، وقد تكون الهاء للمقتول نفسه، وتكون للقتل لأنه فعل فيجرى مجرى الدم واللّه أعلم بصواب ذلك.
وقوله: {حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [34]. حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال وحدثنى حبّان بن علىّ عن الكلبىّ عن أبى صالح عن ابن عبّاس قال: الأشدّ. ما بين ثمانى عشرة إلى ثلاثين.
وقوله: {وَلا تَقْفُ} [36]. أكثر القراء يجعلونها من قفوت، فتحرّك الفاء إلى الواو، فتقول {وَلا تَقْفُ} وبعضهم قال {ولا تقف} والعرب تقول قفت أثره وقفوته، ومثله يعتام ويعتمى، وقاع الجمل الناقة وقعا إذا ركبها، وعاث وعثى من الفساد، وهو كثير، منه شاك السلاح وشاكى السلاح، وجرف هار وهار، وسمعت بعض قضاعة يقول: اجتحى ماله واللغة الفاشية اجتاح ماله.
وقد قال الشاعر:
ولو أني رأيتك من بعيد ** لعاقك من دعاء النيّب عاقي

يريد: عائق.
حسبت بغام راحلتي عناقا ** وما هي ويب غيرك بالعناق

وقوله: {كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [38]، وقرأ بعض أهل الحجاز {كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا}.
وقوله: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ} [44].
أكثر القراء على التاء، وهي في قراءة عبد اللّه {سبّحت له السموات السبع} فهذا يقوّى الذين قرءوا بالتاء، ولو قرئت بالياء لكان صوابا كما قرءوا {تَكادُ السَّماواتُ} و{يكاد} وإنما حسنت الياء لأنه عدد قليل، وإذا قلّ العدد من المؤنّث والمذكر كانت الياء فيه أحسن من التاء قال اللّه عزّ وجلّ في المؤنّث القليل {وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ}، وقال في المذكّر {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ} فجاء بالتذكير، وذلك أن أوّل فعل المؤنث إذا قلّ يكون بالياء، فيقال: النسوة يقمن. فإذا تقدّم الفعل سقطت النون من آخره لأن الاسم ظاهر فثبت الفعل من أوّله على الياء، ومن أنّث ذهب إلى أن الجمع يقع عليه هذه فأنّث لتأنيث هذه والمذكر فيه كالمؤنّث ألا ترى أنك تقول: هذه الرجال، وهذه النساء. حدّثنا محمد قال حدثنا الفراء قال: حدثنى قيس بن الربيع عن عمّار الدهنىّ عن سعيد بن جبير قال: كل تسبيح في القرآن فهو صلاة، وكلّ سلطان حجّة، هذا لقوله: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ}.
وقوله: {عِظامًا وَرُفاتًا}: الرّفات: التراب لا واحد له، بمنزلة الدّقاق والحطام.
وقوله: {أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ} [51]. قالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم: أرأيت لو كنّا الموت من يميتنا؟ فأنزل اللّه عز وجل: {أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ} يعني الموت نفسه أي لبعث اللّه عليكم من يميتكم.
وقوله: {فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ} يقال أنغض رأسه أي حرّكه إلى فوق وإلى أسفل.
وأرانا ذلك أبو زكريا فقال برأسه، فألصقه بحلقه ثم رفعه كأنه ينظر إلى السّقف، والرأس ينغض وينغض، والثنيّة إذا تحركت: قيل نغضت سنّه، وإنما يسمى الظليم نغضا لأنه إذا عجّل مشيه ارتفع وانخفض.
وقوله: {وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ} يعني البعث.
وقوله: {وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} [54]. يقول: حافظا وربّا.
وقوله: {زَبُورًا} [55]. قال الفراء وحدثنى أبو بكر قال كان عاصم يقرأ {زَبُورًا} بالفتح في كلّ القرآن، وقرأ حمزة بالضمّ.
وقوله: {أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} [57]. يعني الجنّ الذين كانت خزاعة تعبدهم. فقال اللّه عز وجل: {أُولئِكَ} يعني الجنّ الذين {يدعونهم} يبتغون إلى اللّه. ف {يَدْعُونَ} فعل للذين يعبدونهم، و{يَبْتَغُونَ} فعل للجنّ به ارتفعوا.
وقوله: {وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها} [58]. بالموت {أَوْ مُعَذِّبُوها عَذابًا شَدِيدًا} بالسّيف.
وقوله: {وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ} [59]. {أن} في موضع نصب {إِلَّا أَنْ كَذَّبَ} أن في موضع رفع كما تقول: ما منعهم الإيمان إلّا تكذيبهم.
وقوله: {النَّاقَةَ مُبْصِرَةً} جعل الفعل لها، ومن قرأ {مبصرة} أراد: مثل قول عنترة:
والكفر مخبثة لنفس المنعم

فإذا وضعت مفعلة في معنى فاعل كفت من الجمع والتأنيث، فكانت موحّدة مفتوحة العين، لا يجوز كسرها. العرب تقول: هذا عشب ملبنة مسمنة، والولد مبخلة مجبنة. فما ورد عليك منه فأخرجه على هذه الصورة، وإن كان من الياء والواو فأظهرهما. تقول: هذا شراب مبولة، وهذا كلام مهيبة للرجال، ومتيهة، وأشباه ذلك، ومعنى {مبصرة} مضيئة، كما قال اللّه عز وجل: {والنَّهارَ مُبْصِرًا} مضيئا.
وقوله: {إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ} [60]. يعني أهل مكة أي أنه سيفتح لك {وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً} يريد: ما أريناك ليلة الإسراء إلا فتنة لهم، حتى قال بعضهم: ساحر، وكاهن، وأكثروا. {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ} هي شجرة الزّقوم، نصبتها بجعلنا، ولو رفعت تتبع الاسم الذي في فتنة من الرؤيا كان صوابا، ومثله في الكلام جعلتك عاملا وزيدا وزيد.
وقوله: {لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا} [62]. يقول: لأستولينّ عليهم {إِلَّا قَلِيلًا} يعني المعصومين.
وقوله: {وَاسْتَفْزِزْ} [64]. يقول استخفّ {بِصَوْتِكَ} بدعائك {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} يعني خيل المشركين ورجالهم.
وقوله: {وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ} كلّ مال خالطه حرام فهو شركه، وقوله: {وَعِدْهُمْ} أي قل لهم: لا جنّة ولا نار. ثم قال اللّه تبارك وتعالى: {وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُورًا}.
وقوله: {لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعًا} [69]. يقال: ثائرا وطالبا. فتبيع في معنى تابع.
وقوله: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ} [71]. قراءة العوامّ بالنون، و{يدعوا} أيضا للّه تبارك وتعالى. حدّثنا محمد قال حدّثنا الفراء قال: وسألنى هشيم فقال: هل يجوز {يوم يدعوا كلّ أناس} رووه عن الحسن فأخبرته أنى لا أعرفه، فقال: قد سألت أهل العربيّة عن ذلك فلم يعرفوه.
وقوله: {وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى} [72]. يعنى: في نعم الدنيا التي اقتصصناها عليكم {فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ} في نعم الآخرة {أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلًا}.
والعرب إذا قالوا: هو أفعل منك قالوه في كل فاعل وفعيل، وما لا يزاد في فعله شىء على ثلاثة أحرف. فإذا كان على فعللت مثل زخرفت، أو أفعلت مثل احمررت واصفررت لم يقولوا: هو أفعل منك إلا أن يقولوا: هو أشدّ حمرة منك، وأشدّ زخرفة منك، وإنما جاز في العمى لأنه لم يرد به عمى العين، إنما أراد به- واللّه أعلم- عمى القلب. فيقال: فلان أعمى من فلان في القلب ولا تقل: هو أعمى منه في العين. فذلك أنه لمّا جاء على مذهب أحمر وحمراء ترك فيه أفعل منك كما ترك في كثيره، وقد تلقى بعض النحويين يقول: أجيزه في الأعمى والأعشى والأعرج والأزرق، لأنا قد نقول: عمى وزرق وعرج وعشى ولا نقول: صفر ولا حمر ولا بيض، وليس ذلك بشىء، إنما ينظر في هذا إلى ما كان لصاحبه فيه فعل يقلّ أو يكثر، فيكون أفعل دليلا على قلّة الشيء وكثرته ألا ترى أنك قد تقول: فلان أقوم من فلان وأجمل لأنّ قيام ذا وجماله قد يزيد على قيام الآخر وجماله، ولا تقول لأعميين: هذا أعمى من هذا، ولا لميّتين: هذا أموت من هذا.